سورة الأحزاب - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} أي ما صحَّ وما استقامَ لرجلٍ ولا امرأةٍ من المؤمنينَ والمؤمناتِ {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} أيْ إذا قضَى رسولُ الله، وذكرُ الله تعالى لتعظيمِ أمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أو للإشعارِ بأنَّ قضاءَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قضاءُ الله عزَّ وجلَّ لأنَّه (نزلَ في زينبَ بنتِ جحشٍ بنتِ عمَّتِه أميمةَ بنتِ عبدِ المُطَّلبِ خطبَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيدِ بنِ حارثةَ فأبتْ هيَ وأخُوها عبدُ اللَّه). (وقيلَ: في أمِّ كُلثوم بنتِ عقبةَ بنِ أبي معيطٍ وهبتْ نفسَها للنبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فزوَّجها من زيدٍ فسخطتْ هي وأخُوها وقالا: إنَّما أردنا رسولَ الله فزوَّجنا عبدَه) {أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} أنْ يختارُوا من أمرِهم ما شاءوا بل يجبُ عليهم أنْ يجعلُوا رأيَهم تبعاً لرأيِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واختيارَهم تلواً لاختيارِه. وجمعُ الضَّميرينِ لعمومِ مؤمنٍ ومؤمنةٍ لوقوعِهما في سياقِ النَّفيِ. وقيل: الضَّميرُ الثَّانِي للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والجمعُ للتَّعظيمِ. وقرئ: {تكونَ} بالتَّاءِ {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} في أمرٍ من الأمورِ ويعملْ فيهِ برأيِه {فَقَدْ ضَلَّ} طريقَ الحقِّ {ضلالا مُّبِيناً} أي بيِّنَ الانحرافِ عن سَنَنِ الصَّوابِ.
{وَإِذْ تَقُولُ} أي واذكُر وقتَ قولِك {لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بتوفيقِه للإسلامِ وتوفيقِك لحسنِ تربيتِه ومراعاتِه {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعملِ بما وفَّقك الله له من فنونِ الإحسانِ التي من جُملتها تحريرُه وهو زيد بنُ حارثةَ وإيرادُه بالعنوانِ المذكورِ لبيانِ منافاةِ حالِه لما صدرَ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من إظهارِ خلافِ ما في ضميرِه إذ هُو إنَّما يقعُ عند الاستحياءِ أو الاحتشامِ وكلاهما ممَّا لا يُتصور في حقِّ زيدٍ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أي زينبَ وذلك أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبصرَها بعد ما أنكحَها إيَّاه فوقعتْ في نفسِه حالةٌ جبلِّيةٌ لا يكادُ يسلمُ منها البشرُ فقالَ: «سبحانَ الله مقلبِ القلوبِ وسمعتْ زينبُ بالتَّسبيحةِ فذكرتْها لزيدٍ ففطِن لذلكَ، ووقعَ في نفسِه كراهةُ صُحبتِها فأتَى النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقال: أريدُ أنْ أفارقَ صاحبتِي، فقالَ: ما لَك أرابَك منها شيءٌ؟ قال: لا والله ما رأيتُ منها إلا خيراً ولكنَّها لشرفِها تتعظمُ عليَّ، فقال له: أمسكْ عليكَ زوجَك» {واتق الله} في أمرِها فلا تُطلقها إضراراً وتعللاً بتكبّرها {وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} وهو نكاحُها إنْ طلَّقها أو إرادةُ طلاقِها {وَتَخْشَى الناس} تعييرَهم إيَّاك به {والله أَحَقُّ أَن تخشاه} إنْ كانَ فيه ما يُخشى والواوُ للحالِ، وليستْ المعاتبةُ على الإخفاءِ وحدَه بل على الإخفاءِ مخافةَ قالةِ النَّاسِ وإظهارِ ما يُنافي إضمارَه فإنَّ الأَولى في أمثالِ ذلك أنْ يصمتَ أو يُفوِّضَ الأمرَ إلى ربِّه {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً} بحيثُ لم يبقَ له فيها حاجةٌ وطلَّقها وانقضتِ عدَّتُها وقيل: قضاءُ الوَطَرِ كنايةٌ عن الطَّلاقِ مثلُ لا حاجةَ لي فيكِ {زوجناكها} وقرئ: {زوَّجتكها} والمرادُ الأمرُ بتزويجِها منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل: جعَلَها زوجتَه بلا واسطةِ عقدٍ، ويُؤيده أنَّها كانتْ تقولُ لسائرِ نساءِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
«إنَّ الله تعالى تولَّى نكاحي وأنتنَّ زوجكنَّ أولياؤكنَّ». وقيل: كان زيدٌ السَّفيرَ في خطبتِها وذلك ابتلاءٌ عظيمٌ وشاهدُ عدلٍ بقوَّةِ إيمانِه {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ} ضيقٌ ومشقَّةٌ {فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} أي في حقِّ تزوجهن {إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} فإنَّ لهم في رسولِ الله أسوةً حسنةً وفيه دلالةٌ على أنَّ حكمَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وحكمَ الأمَّة سواءٌ إلا ما خصَّه الدَّليلُ {وَكَانَ أَمْرُ الله} أي ما يريدُ تكوينَه من الأمورِ أو مأمورُه الحاصلُ بكُنْ {مَفْعُولاً} مكوناً لا محالةَ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لما قبلَه.


{مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ} أي ما صحَّ وما استقامَ في الحكمةِ أن يكونَ له ضيقٌ {فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} أي قسمَ له وقدَّر، من قولِهم فرضَ له في الدِّيوانِ كذا ومنه فروضُ العساكرِ لأعطياتِهم {سُنَّةَ الله} اسمٌ موضوعٌ موضعَ المصدرِ كقولِهم تُرباً وجنَدْلاَ مؤكد لما قبلَه من نفيِ الحرجِ أي سنَّ الله ذلك سُنَّةً {فِى الذين خَلَوْاْ} مضَوا {مِن قَبْلُ} من الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ السَّلامُ حيثُ وسَّع عليهم في بابِ النِّكاحِ وغيره ولقد كانتْ لداودَ عليه السَّلامُ مائة امرأة وثلاثمائة سرّية ولسليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأةٍ وسبعمائةِ سُرِّيةٍ وقولُه تعالَى {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} أي قضاءً مقضيَّا وحُكما مبتوتاً. اعتراضٌ وُسِّط بين الموصولينِ الجاريينِ مجرى الواحدِ للمسارعةِ إلى تقريرِ نفيِ الحَرجِ وتحقيقِه.


{الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله} صفةٌ للذين خَلَوا أو مدحٌ لهم. بالنَّصبِ أو بالرَّفعِ. وقرئ: {رسالةَ الله} {وَيَخْشَوْنَهُ} في كلِّ ما يأتُون ويذرُون لا سيِّما في أمرِ تبليغِ الرِّسالةِ حيثُ لا يخرمُون منها حرَفاً ولا تأخذُهم في ذلكَ لومةُ لائمٍ {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} في وصفِهم بقصرِهم الخشيةَ على الله تعالى تعريض بما صدَرَ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الاحترازِ عن لائمةِ الخلقِ بعد التَّصريحِ في قولِه تعالى: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه} {وكفى بالله حَسِيباً} كافياً للمخاوفِ فينبغي أنْ لا يُخشى غيرُه، أو محاسباً على الصَّغيرةِ والكبيرةِ فيجبُ أنْ يكونَ حقُّ الخشيةِ منْهُ تعالى.
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} أي على الحقيقةِ حيثُ يثبتُ بينَهُ وبينَهُ ما يثبتُ بينِ الوالدِ وولدِه من حُرمةِ المُصاهرة وغيرِها ولا ينتقضُ عمومُه بكونهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أباً للطَّاهرِ والقاسمِ وإبراهيمَ لأنهم لم يبلغوا الحُلُمَ ولو بلغُوا لكانُوا رجالاً له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لا لَهمُ {ولكن رَّسُولَ الله} أي كانَ رسولاً لله وكلُّ رسولٍ أبُو أمَّتهِ لكنْ لا حقيقةً بل بمعنى أنَّه شفيقٌ ناصحٌ لهم وسببٌ لحياتِهم الأيديةِ وما زيدٌ إلا واحدٌ من رجالِكم الذين لا ولادَ بينُهم وبينَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فحكمه حكمُهم وليس للتبنِّي والادِّعاءِ حكمٌ سوى التَّقريبِ والاختصاصِ {وَخَاتَمَ النبيين} أي كان آخرَهم الذين خُتموا به. وقرئ بكسر التَّاءِ أي كان خاتمِهم ويُؤيِّده قراءةُ ابن مسعودٍ ولكنْ نبياً ختَم النبيِّينَ، وأيّاً ما كانَ فلو كانَ له ابنٌ بالغٌ لكان نبيّاً ولم يكنُ هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتمَ النبيِّينَ كما يُروى أنَّه قالَ في إبراهيمَ حينَ تُوفِّي «لو عاشَ لكانَ نبيّاً» ولا يقدحُ فيه نزولُ عيسىَ بعدَهُ عليهما السَّلامُ لانَّ معنى كونِه خاتمَ النبيِّينَ أنَّه لا يُنبَّأُ بعدَهُ أحدٌ وعيسى ممَّن نُبِّىء قبلَه وحينَ ينزلُ إنَّما ينزلُ عاملاً على شريعةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُصلِّياً إلى قبلتِه كأنَّه بعضُ أمَّتهِ {وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} ومن جُملتهِ هذهِ الأحكامُ والحِكمُ التي بيَّنها لكُم وكنتمُ منها في شكَ مريبٍ.
{عَلِيماً ياأيها الذين ءامَنُواْ اذكروا الله} بما هُو أهلُه من التَّهليلِ والتحميد والتَّمجيدِ والتقديس {ذِكْراً كَثِيراً} يعمُّ الأوقاتِ والأحوالَ {وَسَبّحُوهُ} ونزِّهوه عمَّا لا يليقُ به {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه على أنَّ تخصيصَهُما بالذِّكرِ ليسَ لقصرِ التَّسبيحِ عليهما دُونَ سائرِ الأوقاتِ بل لإبانةِ فضلِهما على سائرِ الأوقاتِ لكونِهما مشهُودينِ كأفرادِ التَّسبيحِ من بينِ الأذكارِ مع اندراجهِ فيها لكونِه العُمدةَ فيها وقيل: كِلا الفعلينِ متوجهٌ إليهما كقولِك صُمْ وصَلِّ يومَ الجمعةِ وقيلَ: المرادُ بالتَّسبيحِ الصَّلاةُ.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9